فصل: تابع سنة إحدى وستين وستمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك **


 تابع سنة إحدى وستين وستمائة

وفي ثامن عشره سار السلطان من الإسكندرية يريد القاهرة فنزل تروجة وأمر عربانها بالسباق بين يديه فاجتمه ألف فارس من عرب تروجة وانضم إليها جملة من خيل العسكر‏.‏

وعين السلطان لهم المدى ووقف على تل وأوقف الرماح وعليها الثياب الأطلس والعتابي وفيها المال‏.‏

فأقبلت الخيل وأخذ كل راكب سبق ما فرض له‏.‏

ثم سار السلطان إلى قلعة الجبل فلما وصل فوض قضاء الثغر للفقيه برهان الدين إبراهيم بن محمد علي البوشي المالكي وكان زاهداً عابداً يأوي إلى مسجد بمصر وفوض الخطابة للقاضي زين الدين أبي الفرج محمد بن القاضي الموفق بن أبي الفرج الإسكندري الذي كان حاكماً بالثغر‏.‏

وفي آخر ذي العقدة‏:‏ نزل السلطان إلى القاهرة وعاد الأمير سيف الدين قلاون الألفي والأمير علاء الدين الحاج أيدغدي الركني والأمير حسام الدين بن بركة خان‏.‏

وفي ليلة الأربعاء خامس ذي الحجة‏:‏ توفي الأمير حسام الدين بن بركة خان فحضر السلطان جنازته ومشى فيها مع الناس‏.‏وفي سادسه‏:‏ وصلت التتار المستأمنة وأعيانهم كرمون وأمطغية ونركيه وجبرك وقيان وناسيسة وطيشور ونبتو وصبحي وجرجلان واجقرقا وارقرق وكراي وصلاغيه ومتقدم وصراغان‏.‏

فركب السلطان إلى تلقيهم فنزلوا عند مشاهدته عن خيولهم وقبلوا الأرض وهو راكب فأكرمهم وعادوا إلى القلعة‏.‏

وفي ثامنه‏:‏ خلع عليهم السلطان ونزل إلى تربة ابن بركة خان‏.‏

ثم وردت الكتب بقدوم طائفة أخرى فاحتفل بهم وركب لتلقيهم‏.‏

ثم وردت طائفة ثالثة فاعتمد معهم مثل ذلك وأمر أكابرهم وعرض عليهم الإسلام فأسلموا وختنوا بأجمعهم‏.‏

واتفق أن الأمير بهاء الدين أمير أخور ضرب بعض دلالي سوق الخيل فمات قلاوون واستتر عنده فدخل قلاوون على الأتابك في أمره وأخرج لأولاد الميت من ماله خمسة آلاف درهم ومائة أردب غلة وكسوة فأبرؤه وأقروا أن أباهم مات بقضاء الله وقدره‏.‏

ودخل الأتابك إلى السلطان وحدثه في ذلك فاشتد غضبه فقال له الأتابك‏:‏ تغضب والشرع معنا فإن كان قد قتله عمداً أو خطاً فقد أبرأ الأولياء‏.‏

وتحدث الأمراء في العفو عنه فعفه وأمر بعمل جامع من الثياب المفصلة بضرب على يمنة الخيمة السلطانية فعمل ونصبت وأبرأيه وعملت فيه مقصورة برسم السلطان‏.‏وفي هذه السنة‏:‏ جمدت دار العدل تحت قلعة الجبل وجلس بها السلطان في يومي الخميس والاثنين لعرض العساكر‏.‏

وفيها وردت هدية من بلاد اليمن‏.‏

وفيها أمر بتنصيب أربعة قضاه نواباً لقاضي القضاة تاج الدين‏.‏

ابن بنت الأعز فاستناب حنفياً ومالكياً وشافعياً ولم يجد من يستنيبه من الحنابلة فولى نائباً حنبلياً‏.‏

وفيها جهز السلطان عرب خفاجة بالخلع إلى أكابر أهل العراق وكتب إلى صاحب شراز وغيره يغويهم بهولاكو وألبس عدة من أمراء خفاجة الفتوة وجهز معهم الأمير عز الدين إلى شراز‏.‏

وفيها جهز السلطان في البحر جماعة من البنائين والنجارين والنشارين والعتالين وعدة أخشاب وغيرها من الآلات برسم عمارة الحرم النبوي‏.‏

وعملت كسوة الكعبة على العادة وحملت على البغال وطيف بها في القاهرة ومصر وركب معها الخواص وأرباب الدولة والقضاة والفقهاء والقراء والصوفية والخطاء والأئمة‏.‏

وسفرت إلى مكة في العشر الأوسط من شوال وفوضت عمارة الحرم لزين بن البوزي‏.‏

وفيها جمع الفرنسيس ملك الفرنج عساكره يريد أخذ دمياط فأشار عليه أصحابه يقصد تونس أولاً ليسهل أخذ دمياط بعدها‏.‏

فسار إلى تونس ونازلها حتى أشرف على أخذها فبعث الله في عسكره وباء هلك فيه هو وعدة من أكابر أصحابه وعاد من بقي منهم‏.‏الأمير الكبير مجير الدين أبو الهيجاء بن عيسى بن خشترين الأركسي الكردي بدمشق‏.‏

وتوفي عز الدين أبو محمد عبد الرزاق بن رزق الله بن أبي بكر بن خلف الرسغي الحنبلي شيخ البلاد الجزرية بسنجار عن اثنتين وسبعين‏.‏

وتوفي علم الدين أبو محمد بن أحمد بن موفق جعفر المرسي اللوري بدمشق وقد انتهت إليه مشخية الإقراء عن ستين سنة‏.‏

 سنة اثنتين وستين وستمائة

استفتح السلطان هذه السنة بالجلوس في دار العدل فأحضرت إليه ورقة مختومة مع خادم أسود تتضمن مرافعة في شمس الدين شيخ الحنابلة إنه يبغض السلطان ويتمني زوال دولته لأنه ما جعل للحنابلة نصيبا في المدرسة التي أنشأها بجوار قبة الملك الصالح ولا ولي حنبليا قاضيا وذكر أشياء فادحة فيه‏.‏

فبعث السلطان بها إلى الشيخ فأقسم إنه ما جري منه شيء وإنما هذا الخادم طردته من خدمتي‏.‏

فقال السلطان‏:‏ ولو شتمتني أنت في حل وأمر فضرب الخادم‏.‏

مائة عصا‏.‏وفي المحرم‏:‏ نودي بالقاهرة ومصر أن امرأة لا تتعمم بعمامه ولا تتزيا بزي الرجال ومن فعلت ذلك بعد ثلاثة أيام سلبت ما عليها من الكسوة وطلب الطواشي شجاع الدين مرشد الحموي إلى قلعة الجبل وأنكر عليه السلطان اشتغال مخدومه صاحب حماة باللهو وقرر معه إلزام الأجناد بإقامة البزك وتكميل العدد وكتب له تقليدا وسافر إلى حماة‏.‏

وقدم للأمير جلال الدين يشكر ابن الدوادار المجاهد دوادار الخليفة ببغداد وكان قد تأخر حضوره فأحسن إليه السلطان وأعطاه إمرة طبلخاناه‏.‏

وفي يوم الأحد الخامس من صفر‏:‏ اجتمع أهل العلم بالمدرسة الظاهرية بين القصرين عند تمام عمارتها وحضر القراء وجلس أهل كل مذهب في إيوانهم‏.‏

وفوض تدريس الحنفية للصدر مجد الدين عبد الرحمن بن الصاحب كمال الدين بن العديم وتدريس الشافعية للشيخ تقي الدين محمد بن الحسن بن رزين والتصدير لإقراء القرآن للفقيه كمال الدين المحلي والتصدير لإفادة الحديث النبوي للشيخ شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي‏.‏

وذكروا الدروس ومدت الأسمطة وأنشد جمال الدين أبو الحسين الجزار يومئذ‏:‏ ألا هكذا يبني المدارس من بني ومن يتغالى في الثواب وفي الثنا لقد ظهرت الظاهر الملك همة بها اليوم في الدارين قد بلغ المني ومذ جاورت قبر الشهيد فنفسه النفيسة منها في سرور وفي هنا وما هي إلا جنة الخلد أزلفت له في غد فاختار تعجيلها هنا وأنشد عدة من الشعراء أيضاً ومنهم السراج الوراق والشيخ جمال الدين يوسف بن الخشاب فخلع عليهم وكان يوما مشهودا‏.‏

وجعل السلطان بهذه المدرسة خزانة كتب جليلة وبني بجانبها مكتبا للسبيل وقرر لمن فيه من أيتام المسلمين الخبز في كل يوم والكسوة في فصل الشتاء والصيف‏.‏

وفيه ورد الخبر مع الحاج بأنه خطب للسلطان‏.‏

بمكة وأن الصدر جمال الدين حسين ابن الموصلي كاتب الإنشاء المتوجه إلى مكة تسلم مفتاح الكعبة وقفله بالقفل المسير صحبته وأباح الكعبة للناس مدة ثلاثة أيام بغير شيء يؤخذ منهم‏.‏

وفيه قرئ كتاب وقف الخان‏.‏

بمدينة القدس في مجلس السلطان بقلعة الجبل وحضر قاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز قراءته وكتب به عدة نسخ‏.‏

ووقف السلطان أيضاً اصطبلين تحت القلعة يعرف أحدهما بجوهر النوبي على وجوه البر‏.‏

وفيه ورد الخبر بأنه رتب‏.‏

بمدينة الخليل السماط والرواتب للمقيمين والواردين وكان قد بطل ذلك من مدة أعوام كثيرة‏.‏وفيه سار السلطان إلى وسيم ومضى إلى الغربية فصار يسير منفردا في خفية ويسال عن وإلى الغربية الأمير بن الهمام وعن سيرة نوابه وغلمانه ومباشريه فذكرت له عنه سيرة سيئة فقبض عليه وأدبه وأقام غيره وشكى إليه من ظلم بعض المباشرين النصارى فأمر به فشنق من أجل إنه تكلم‏.‏

بما يوجب ذلك‏.‏

ودخل السلطان دمياط ثم عاد إلى أشموم وسار من المنزلة إلى الشرقية‏.‏

وفيه سأل الفرنج أن يؤذن لهم في زراعة ما بيدهم من بلاد الشام وتقويتها بجملة من الغلال فتقررت الهدنة معهم إلى أيام وأذن لهم ذلك فزرعوا‏.‏

وفي يوم الجمعة حادي عشريه‏:‏ مات الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن الملك المنصور أبو إبراهيم بن الملك المجاهد شيركوه بن الأمير ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه بن شادي بن مروان صاحب حمص عن غير ولد ولا أخ ولا ولي عبد‏.‏

فبعث السلطان إلى الأمير عز الدين بيليك العلائي أحد الأمراء فتسلمها في سابع عشريه وحلف الناس بها للملك الظاهر وتسلم الرحبة أيضاً وبعث السلطان إليها عشرين ألف دينار عينا وولي مدينة حران الأمير جمال الدين الجاكي وولي مدينة الرقة أميرا آخر‏.‏

وورد الخبر بأن متملك جزيرة دهلك ومتملك جزيرة مواكن يتعرضان إلى أموال من مات من التجار فسير السلطان إليها أحد رجال الحلقة رسولا ينكر عليهما‏.‏وفي هذه السنة‏:‏ بلغ ثمن القرط الذي قضمته الخيول السلطانية وجمال المناخات بأرض مصر ما مبلغه خمسون ألف دينار‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ ارتفعت الأسعار‏.‏

بمصر فبلغ الأردب القمح نحو المائة درهم نقرة فأمر السلطان بالتسعير فاشتد الحال وعدم الخبز‏.‏

وبلغ القمح مائة درهم وخمسة دراهم الأردب والشعير إلى سبعين درهما الأردب والخبز ثلاثة أرطال بدرهم واللحم كل رطل بدرهم وثلث وبلغ بالإسكندرية الأردب القمح ثلاثمائة وعشرين درهما من الورق‏.‏

ثم اشتد الحال بالناس حتى أكلوا ورق اللفت والكرنب ونحوه وخرجوا إلى الريف فأكلوا عروق الفول الأخضر‏.‏

فلما كان يوم الخميس سابع ربيع الآخر‏.‏

نزل السلطان إلى دار العدل وأبطل التسعير وكتب إلى الأهراء ببيع خمسمائة أردب كل يوم لضعفاء الناس ويكون البيع من ويبتين إلى ما دون ذلك حتى لا يشتري من يخزن‏.‏

ونودي للفقراء فاجتمعوا تحت القلعة ونزل الحجاب إليهم فكتبوا أسمائهم ومضى إلى كل جهة حاجب فكتب ما بقي في القاهرة ومصر من الفقراء وأحضروا عدتهم فبلغت ألوفا‏.‏ثم أخذ ألوفا منهم وأعطي لنواب ابنه الملك السعيد مثل ذلك وأمر في ديوان الجيش فكتب باسم كل أمير جماعة على قدر عدته وأعطي الأجناد والمفاردة من الحلقة والمقدمين والبحرية وعزل التركمان ناحية والأكراد ناحية‏.‏

وأمر أن يعطي كل فقير كفايته مدة ثلاثة أشهر وأعطي للتجار طائفة من الفقراء وأعطي الأغنياء على اختلاف طبقاتهم كل أحد بقدر حاله‏.‏

وأمر أن يفرق من الشون السلطانية على أرباب الزوايا في كل يوم مائة أردب بعد ما يعمل خبزا بجامع ابن طولون‏.‏

ثم قال السلطان‏:‏ هؤلاء المساكين قد جمعناهم اليوم وانقضي نصف النهار فادفعوا لكل منهم نصف درهم يتقوت به خبزا ومن غد يتقرر الحال ففرق فيهم جملة كبيرة‏.‏

وأخذ الصاحب بهاء الدين طائفة العميان وأخذ الأتابك جماعة التركمان فلم يبق أحد من الخواص ولا من الطاشي ولا من الحجاب ولا من الولاة وأرباب المناصب وذوي المراتب وأصحاب المال حتى أخذ جماعة من المساكين‏.‏

وقال السلطان للأمير صارم الدين السعودي وإلى القاهرة‏:‏ خذ مائة فقير أطعمهم لله‏.‏

فقال الأمير‏:‏ قد فعلت ذلك وأخذتهم دائماً‏.‏

فقال السلطان‏:‏ ذلك فعلته ابتداء من نفسك وهذه المائة خذها لأجلي فأخذ مائة مسكين أخرى‏.‏

وشرع الناس في فتح المخازن وتفرقة الصدقات فانحط السعر عشرين درهما الأردب وقلت الفقراء‏.‏

واستمر الحال إلى شهر رمضان فدخل المغل الجديد وانحل السعر في يوم واحد أربعين درهما الأردب‏.‏

وفي اليوم الذي جلس فيه السلطان بدار العدل رفعت إليه قصة ضمان دار الضرب فيها بوقف الدراهم وسألوا إبطال الدراهم الناصرية وأن ضمانهم مبلغ مائتي ألف وخمسين ألف درهم فأمر السلطان أن يحط من ضمانهم مبلغ خمسين ألف درهم وقال‏:‏ لا نؤذي الناس في أموالهم ‏"‏‏.‏

وفي العشرين من ربيع الآخر‏:‏ كانت زلزلة عظيمة هدمت عدة أماكن‏.‏

وفي ثالث عشريه‏:‏ رسم بمسامحة بنات الأمير حسام الدين لاجين الجوكندار العزيزي‏.‏

بما وجب للديوان في تركة أبيهن وكان قد مات بدمشق في رابع عشر المحرم وهو مبلغ أربعمائة ألف درهم نقرة خارجا عن ماله من الأملاك والغلال والخيل‏.‏

وكتب السلطان بذلك إلى الشام وقصد بدلك أن يفهم أمراءه أن من مات في خدمته وحفظ يمينه ينظر في أمر ورثته ويبقي عليهم ما يخلفه‏.‏

ومات الأمير شهاب الدين القيمري نائب السلطنة بالفتوحات الساحلية فأعطي ابنه إقطاعه وهو مائة طواش‏.‏ولما أسر الفرنج الأمير شجاع الدين والي سرمين أبقي السلطان إقطاعه بيد إخوته وغلمانه كل ذلك استجلابا للقلوب‏.‏

وفيه ورد الخبر أن هيتوم ملك الأرمن جمع وسار إلى هرقلة ونزل على قلعة صرخد‏.‏

فخرج البريد من قلعة الجبل إلى حماة وحمص بالمسير إلى حلب فخرجوا وأغاروا على عسكر الأرمن وقتلوا منهم وأسروا‏.‏

فانهزم الأرمن واستنجدوا بالتتار فقدم منهم من كان في بلاد الروم وهم سبعمائة فارس فلما وصلوا إلى حارم رجعوا من كثرة الثلج وقد هلك منهم كثير‏.‏

وورد الخبر بأن خليج الإسكندرية قد انسد وامتلأت فوهته بالطين وقل الماء في ثغر الإسكندرية بهذا السبب فسير السلطان الأمير عز الدين أمير جاندار فحفره وبعث الأمير جمال الدين موسى بن يغمور الأستادار لحفر بحر جزيرة بني نصر عند قلة ريها‏.‏

وفي جمادى الأول‏:‏ سافر الأمير سيف الدين بلبان الزيني أمير علم إلى الشام برسم تجهيز مهمات القلاع وعرض عساكر حماة وحلب ورجال الثغور وإلزام الأمراء بتكميل العدد والعدة وإزاحة الأعذار بسبب الجهاد‏.‏

وكتب على يده عدة تذاكر‏.‏

بما يعتمده وأن يحمل من دمشق خزانة كبيرة إلى البيرة برسم نفقاتها‏.‏

ورحلت جماعة من عرب خفاجة كانوا قد وردوا بكتب من جماعتهم بالعراق يخبرون فيها بأنهم أغاروا على التتار حتى وصلت غاراتهم باب مدينة بغداد ويخبرون بأحوال مدينة شيراز فأجيبوا وأحسن إليهم‏.‏

وفيه توجه قصاد إلى الملك بركة وأسلم عالم كبير على يد السلطان من التتار الواصلين ومن الفرنج المستأمنين والأسري ومن النوبة القادمين من عند ملكها ففرق فيهم في يوم واحد الأمير بدر الدين الخازندار مائة وثمانين فرسا‏.‏

وفي جمادى الآخرة‏:‏ قبض على جاسوسين من التتار‏.‏

وتنجز البرج الذي بناه السلطان في قارة وشرع في بناء برج أكبر منه لحفظ الطرقات من عادية الفرنج‏.‏

واهتم ملك الأرمن بالمسير إلى بلاد الشام وأعد ألف قياء تتري وألف سراقوج ألبسها الأرمن ليوهم إنهم نجدة من التتر ولما ورد الخبر بذلك خرج البريد إلى دمشق بخروج عسكرها إلى حمص وخروج عسكر حماة وألا يخرج عربان الشام في هذه السنة إلى البرية‏.‏

فخرجت العساكر ووالت الغارات من كل جهة فانهزم الأرمن ونزل العسكر على أنطاكية فقتل وأسر وغنم وأغار العسكر أيضاً ببلاد الساحل على الفرنج حتى وصل إلى أبواب عكا‏.‏

وشرع السلطان البناء في شقيف تيرون وكان قد خرب من سنة ثمان وخمسين وستمائة فلما تم بناؤه حمل إليه زردخاناه وذخائر وبعث إلى عسكر الساحل مائتي ألف درهم فرقت فيهم‏.‏

وورد البريد بأن جماعة من شيراز ومن أمراء العراق وأمراء خفاجة وصلوا وافدين إلى الأبواب السلطانية‏.‏وفي أول رجب‏:‏ رفعت قصة بأن على باب المشهد الحسيني مسجدا إلى جانبه موضع من حقوق القصر قد بيع بستة آلاف درهم حملت إلى الديوان‏.‏

فأمر السلطان بردها وعمل الجميع مسجدا وأمر بعمارته ووقف أحد الجند بيتيم معه ذكر إنه وصيه فقال السلطان لقاضي القضاة‏.‏

إن الأجناد إذا مات أحدهم استولي خشداشيته على موجوده ويجعل اليتيم من الأوشاقية فإذا مات اليتيم أخذ الوصي موجوده أو يكبر اليتيم فلا يجد شيئا ولا تقوم له حجة على موجوده أو يموت الوصي فيذهب مال اليتيم في ماله والرأي أن أحدا من الأوصياء لا ينفرد بوصية وليكن نظر الشرع شاملا وأموال اليتامى مضبوطة وأمناء الحكم يحاققون على المصروف‏.‏

وطلب السلطان نواب الأمراء ونقباء العساكر وأمرهم بذلك فاستمر الحال عليه‏.‏

وفي ثالثه‏:‏ قدم الوافدون من شيراز ومقدمهم الأمير سيف الدين بكلك ومعهم سيف الدين اقتبار الخوارزمي جمدار جلال الدين خوارزم شاه وغلمان أتابك سعد وهم شمس الدين سنقرجاه ورفقته‏.‏

ووصل صحبتهم مظهر الدين وشاح بن شهري والأمير حسام الدين حسين بن ملاح أمير العراق وكثير من أمراء خفاجة‏.‏

فتلقاهم السلطان بنفسه وأعطي سيف الدين بكلك إمرة طبلخاناه وأحسن إلى سائرهم‏.‏

وفي شعبان‏:‏ أمر السلطان الأمراء والأجناد والمماليك بعمل العدد الكاملة فوقع الاهتمام من كل أحد بعمل ذلك وكثر الازدحام بسوق السلاح وارتفع سعر الحديد وأجر الحدادين وصناع آلات السلاح و لم يبق لأحد شغل إلا ذلك حتى صار العسكر لا ينفق متحصله في شيء سوي السلاح ولا يشتغل أحد منهم إلا بنوع من أنواع الحرب كالرمح ونحوه وتفننوا في أنواع الفروسية‏.‏

وورد كتاب أمير المدينة النبوية إنه سار مع كسوة الكعبة حتى علقها في البيت‏.‏

وفي شهر رمضان‏:‏ تنجزت كسوة قبر النبي صلي الله عليه وسلم وتعين سفرها مع الطواشي جمال الدين محسن الصالحي‏.‏

ووقع الشروع في تجهيز الشمع والبخور والزيت والطيب‏.‏

وخرج البريد إلى الأمير ناصر الدين القيمري بالغارة على قيسارية وعثليث فساق إلى باب عثليث ونهب وقتل وأسر ثم ساق إلى قيسارية ففعل مثل ذلك بالفرنج‏.‏

وكان الفرنج قد قصدوا يافا فخافوا ورجعوا عنها‏.‏

وفيه جري السلطان على عادته في إجراء الصدقات مطابخ القاهرة ومصر برسم الفقراء فكان يصرف في كل ليلة من ليالي رمضان جملة كبيرة من الخبز واللحم المطبوخ وجري أيضاً على عادته في عتق ثلاثين نسمة على عادة ملوك الماضين سوي من أعتقه من مماليكه‏.‏

وورد الخبر بأن الفرنج أخذوا أخيذة كبيرة للمسلمين فكتب إلى نواب الشام بالاجتهاد في ردها فورد كتاب الأمير ناصر الدين القيسري بأن الفرنج ردوها وكانت تشتمل على عالم كبير من الناس وجملة من المواشي‏.‏

فسمع في ساعة ردها من اختلاف الأصوات بدعاء الرجال والنساء وبكاء الأطفال ما تكاد ترق له الحجارة‏.‏

وقدم البريد من البيرة أن صارم الدين بكتاش الزاهدي أغار على باب قلعة الروم مرارا‏.‏

وورد كتاب الملك شارل أخي الفرنسيس ملك الفرنج ومعه هدية وكتاب أستاداره‏:‏ بأن مندوبه أمره أن يكون أمر الملك الظاهر نافذا في بلاده‏.‏

وأن أكون نائب الملك الظاهر كما أنا نائبه‏.‏

وفي يوم الجمعة خامس عشريه‏:‏ قرئ مكتوب في جامع مصر بإبطال ما قرر على ولاية مصر من الرسوم وهي مائة ألف درهم وأربعة آلاف درهم نقرة‏.‏

وورد الخبر بأن الأشكري عوق الرسل إلى الملك بركة بالهدية عن المسير إليه حتى هلك أكثر ما معهم من الحيوان فأحضر السلطان البطاركة والأساقفة وسألهم عمن خالف الأيمان وما كتب به الأشكري فأجابوا بأنه يستحق أن يحرم من دينه فأخذ السلطان خطوطهم بذلك وأخرج لهم حينئذ نسخ أيمان الأشكري وقال‏:‏ إنه قد نكث بإمساك رسلي ومال إلى جهة هولاكو‏.‏

ثم جهز إليه الراهب الفيلسوف اليوناني ومعه قسيس وأسقف بحرمانه من دينه وكتب له كتابا أغلظ فيه‏.‏

وكتب السلطان أيضاً إلى الملك بركة كتابا وسيره إلى الأمير فارس الدين أقوش السعودي المتوجه بالهدية إلى الملك وقدم البريد من البلاد الشامية بأن عدة من التتار ومن الأتراك والبغاددة قد قصدوا البلاد مستأمنين فأمر السلطان بجمع الأمراء وأعلمهم بذلك وقال‏:‏ أخشى أن يكون في مجيئهم من كل جهة ما يستراب منه والرأي أن نخرج إليهم فإن كانوا طائعين عاملناهم‏.‏

بما ينبغي وإلا فنكون على أهبة‏.‏

ومن احتاج من العسكر إلى شيء أعطيته وما أنا إلا كأحدكم يكفيني فرس واحد وجميع ما عندي من خيل وجمال ومال كله لكم ولمن يجاهد في سبيل الله‏.‏

فأشار الأمراء عليه بسلطنة ولده ليكون مقيما بديار مصر في غيبته‏.‏

فلما كان يوم الخميس ثالث عشر شوال‏:‏ أركب السلطان ابنه الملك السعيد بشعار السلطنة وخرج بنفسه في ركابه وحمل الغاشية راجلا بين يديه فأخذها منه الأمراء ورجع إلى مقر ملكه ولم تزل الأمراء والعساكر في خدمته إلى باب النصر ودخلوا به من القاهرة رجالة يحملون الغاشية وقد زينت المدينة أحسن زينة واهتم الأمراء بنصب القباب‏:‏ فسار الملك السعيد والأمير عز الدين أيدمر الحلي راكب إلى جانبه وقد تقرر أن يكون أتابكه والنياب الأطلس والعتابي تفرش تحت فرسه حتى عاد إلى قلعة الجبل ولم يبق أمير حتى فرش من جهته الثياب الحرير فاجتمع من ذلك أحمال تفرقها المماليك السلطانية‏.‏

وكتب القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر تقليد الملك السعيد بتفويض عهد السلطنة له‏.‏وفي يوم الإثنين سابع عشره‏:‏ اجتمع الأمراء والقضاة والفقهاء وقرئ التقليد المذكور وشرع في ختان الملك السعيد فأمر السلطان الناس بالتأهب للعرض عليه بالأسلحة وآلات الحرب‏.‏

وقدمت طائفة من جهة التتار المستأمنة فكتب السلطان إلى أمراء خفاجة بخدمتهم‏.‏

وظهر كوكب الذؤابة بالشرق وذؤابته نحو الغرب‏.‏

وصار يطلع قبيل الفجر ويتقدم قليلا قليلا حتى صار يطلع مرتفعا وأضاء ذنبه كثيرا ولم يتغير عن منزلة الهقمة وبعده منها إلى جهة المشرق نحو رمح طويل‏.‏

واستمر من آخر رمضان إلى أول ذي القعدة وكان يظهر له قبل بروزه شعاع عظيم في الجو وظهر أيضاً في الغرب مما يلي الشمال بعد عشاء الآخرة في ليال عديدة من أخريات رمضان وأوائل شوال خطوط مضيئة شبه الأصابع مرتفعة في جو السماء‏.‏

واحمرت الشمس في رابع شوال قبيل الغروب وذهب ضؤها حتى صارت كأنها منكسفة إلى أن غربت فلما كان بعد عشاء الآخرة أصاب القمر مثل ذلك‏.‏

وأحضر من المقس ظاهر القاهرة طفل ميت له رأسان وأربع أعين وأربع أرجل وأربع أيدي وجد بساحل المقس‏.‏

وفيه قتل الملك المغيث فتح الدين عمر بن الملك العادل صاحب الكرك وورد الخبر بوصول الرسل إلى الملك بركة وإكرامه إياهم وتجهيزه لهم‏.‏وفي أول ذي القعدة‏:‏ جلس السلطان لعرض العساكر عند طلوع الشمس وقد ملأوا الدنيا فساق كل أمير في طلبه وهو لابس لامة حربه وجروا الجنائب وعليها عدد الحرب وأمر السلطان ألا يلبس أحد في هذا اليوم إلا شعار الحرب‏.‏

مما زال السلطان جالسا على الصفة التي بجانب دار العدل والعساكر تسوق وهي لابسة وديوان الجيش بين يديه والعساكر تعبر خمسة ثم عبرت عشرة عشرة‏.‏

وكاد الناس يهلكون من الزحام وحمو الحديد فعبروا بغير حساب‏.‏

وهلك عدة من الناس في الزحام منهم أيبك مملوك الأمير عز الدين أيدمر الحلي فدفن ثم نبش ودفن في قبر آخر‏.‏

فقال في ذلك القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر‏:‏ ما نقلوا أيبك من قبره لحادث كلا ولا عن ثبور لكنه في يوم عرض قضى والعرض لابد له من نشور وأراد السلطان بركوب العسكر في يوم واحد حتى لا يقال إن أحدا استعار شيئاً فكان من يعرض يدخل من باب القرافة ويخرج من جهة الجبل إلى باب النصر إلى الدهليز المضروب هناك‏.‏

فلما قرب غروب الشمس ركب السلطان بقباء أبيض لا غير وساق في وسط العساكر اللابسة ومعه يسير من سلاح داريته وخواصه إلى الدهليز فنزل به ورتب المنازل ثم عاد إلى القلعة وقت المغرب‏.‏

ثم إن الناس اهتموا باللعب ولبسوا خيولهم النشاهير والبرلسم البحرية والمراوات ونزل السلطان وجانبه تجر فكان منظرا يبهر العيون حسنه‏.‏

وكان الذي دخل في المراوات من البنود الأطلس الأصفر قيمته عشرة آلاف دينار وما تجدد بعد ذلك لا يحصي‏.‏

وساق السلطان إلى ميدان العيد وقدامه جنائبه وشرط لكل أمير يصيب القبق فرسا من الجنائب بما عليه من التشاهير وخلعة لكل مفردي أو مملوك أو جندي‏.‏

وساق هو والأمراء ثم المفاردة والبحرية والظاهرية والحلقة والأجناد ودخل الناس بالرماح بكرة النهار‏.‏

ونزل السلطان وقت الصلاة للصلاة وإطعام الطعام ثم ركب الناس ولبسوا وركب السلطان لرمي النشاب وأعطي وخلع‏.‏

وفي هذا اليوم‏:‏ حضر رسل الملك بركة فشاهدوا من كثرة العساكر وحسن زيهم واهتمام السلطان وبهجة الخيول وجلالة الفرسان ما بهر عقولهم ووقفوا بجانب السلطان يشاهدون حركات العساكر وإصابة رميها‏.‏

واستمر ذلك أياما‏.‏

وفي تاسعه‏:‏ خلع السلطان على الملوك والأمراء والبحرية والحجاب والحلقة وأرباب العمائم والوزراء والقضاة وذوي البيوت وحضروا بالخلع واستمر اللعب بقية النهار‏.‏

فسألت الرسل عن العساكر هل هي عساكر مصر والشام فقيل لهم‏:‏ هذا عسكر مصر فقط غير من في الثغور مثل إسكندرية ودمياط ورشيد وقوص والمجردين والذين سافروا في إقطاعاتهم‏.‏

فكثر تعجبهم من ذلك‏.‏

وفي عاشره‏:‏ عمل السماط بقلعة الجبل وحضر الملك السعيد وفي خدمته أولاد الملوك وأولاد الأمراء‏.‏

فختن الملك السعيد ثم ختن ابن الأمير عز الدين الحلي الأتابك وابن الأمير شمس الدين سنقر الأشقر الرومي وابن الأمير سيف الدين سكز وابن حسام الدين ابن بركة خان وابن الملك المجاهد ابن صاحب الموصل ثم أولاد الملك المغيث صاحب الكرك الثلاثة وابن فخر الدين الحمصي وعدة من أولاد الأمراء‏.‏

وكان ذلك بعدما عمل لعدة من الأيتام وأبناء الفقراء بمصر والقاهرة كسوة فاحضروا في هذا اليوم وختنوا‏.‏

ومنع السلطان الأمراء والخواص من التقدمة التي جرت العادة بها للملوك في مثل هذا المهم فلم يقدم أحد من الخاصة شيئا ألبتة‏.‏

ولما انقضي هذا المهم خرج السلطان إلى الطرانة وسار إلى وادي هبيب ونزل الأديرة التي هناك ومضى إلى تروجة وسار منها إلى الحمامات وسلك إلى العقبة وضرب الحلقة برسم الصيد وأدركه عيد النحر هناك‏.‏

وجرد جماعة لأخذ عربان بلغه كثرة فسادهم وأحضر هوارة وعرب سليم وألزمهم بإشهاد كتب عليهم بعمارة البلاد وألا يؤوا أحدا من أهل الفساد‏.‏

ثم عاد إلى ثغر الإسكندرية وعم المفاردة والأمراء والخواص بتفرقة المال والقماش ولعب الكرة بالميدان وزار الشاطبي‏.‏

ثم سار إلى القاهرة فنزل تروجة ورسم بتقديم سيف الدين عطا الله بن عزار على عرب برقة وألزمه بجباية زكاة المواشي وأخذ عشر الزروع والثمار بفريضة الله فالتزم بذلك‏.‏

وأنعم عليه بسنجق ونقارات وتوجه لحفظ البلاد واستخرج الزكاة والعشور من العربان ببرقة‏.‏

ووصل السلطان إلى قلعة الجبل فقدم شحنة تكريت بجماعة‏.‏

وجهز السلطان الأمير أمين الدين موسى بن التركماني ومعه عدة من الرماة والمقاتلة‏.‏

وخزانة مال وعدة خلع وكثير من أمراء عربان الكرك وبحريتها ومبلغ من الغلال والذخائر‏.‏

فساروا إلى خيبر واستولوا على قلعتها‏.‏

وكثر في هذه السنة قتل الناس في الخليج وفقد جماعة والتبس الأمر في ذلك‏.‏

ثم ظهر بعد شهر أن امرأة جميلة يقال لها غازية كانت تخرج بزينتها ومعها عجوز فإذا تعرض لها أحد قالت له العجوز‏:‏ لا يمكنها المصير إلى أحد ولكن من أرادها فليأت منزلنا فإذا وافي الرجل إليها خرج إليه رجال فقتلوه وأخذوا ما معه‏.‏

وكانت المرأة في كل قليل تنتقل من منزل إلى منزل حتى سكنت خارج باب الشعرية على الخليج‏.‏

فأتت العجوز إلى ماشطة مشهورة بالقاهرة واستدعتها إلى فرح فسارت الماشطة معها بالحلي على العادة ومعها جاريتها ودخلت الماشطة وانصرفت جاريتها فقتل الجماعة الماشطة وأخذوا ما كان معها‏.‏

وجاءت جاريتها إلى الدار تطلب مولاتها فأنكروها فمضت إلى الوالي وعرفته الخبر فركب إلى الدار وهجمها فإذا بالصبية والعجوز فقبض عليهما وعرضهما على العذاب فأقرتا فحبسهما‏.‏

واتفق أن رجلا خارجا لفقد أحوالهما فقبض عليه وعوقب فدل على رفيقه فإذا هو صاحب أقمنة طوب فعوقب أيضاً‏.‏

فوجد إنهم كانوا إذا قتلوا أحدا ألقوه في القمين حتى تحترق عظامه وأظهروا من الدار حفائر قد ملئت بالقتلى فسمروا جميعا‏.‏

ثم انطلقت المرأة بعد يومين فأقامت قليلا وماتت ثم عملت الدار التي كانوا بها مسجدا وهو المعروف‏.‏

بمسجد الخناقة‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ وقف السلطان عدة قري بأعمال الشام والقدس لصرف ريعها في خبز ونعال لمن يرد إلى القدس من المشاة ومبلغ فلوس‏.‏

وأنشأ خانا وفرنا وطاحونا وجعل النظر في ذلك للأمير جمال الدين محمد بن نهار‏.‏

وفيها قبض الأشكري صاحب قسطنطينية على عز الدين كيكاوس بن كيخسرو بن كيقباد صاحب بلاد الروم‏.‏

وسبب وجود عز الدين عند الأشكري هو اختلافه مع أخيه ركن الدين قلج أرسلان حتى غلبه أخوه ففر منه وملك أخوه ركن الدين قلج أرسلان بلاد الروم‏.‏

فمضى عز الدين إلى الأشكري فأواه وأنزله ومن معه من الأمراء وقام بأمرهم مدة حتى بلغه إنهم قصدوا قتله وأخذ المملكة منه فقبض عليهم واعتقل عز الدين وكحل أصحابه كلهم فأعماهم‏.‏وفيها ولي محيي الدين أبو المكارم محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان بن الأستاذ الأسدي الشافعي قضاء حلب عوضاً عن ابن عمه كمال الدين أبي بكر أحمد المتوفي‏.‏

ومات في هذه السنة من الأعيان الملك المغيث عمر بن العادل أبي بكر بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب ابن شادي صاحب الكرك مقتولا بقلعة الجبل عن ثلاثين سنة‏.‏

ومات الملك الأشرف موسى بن المنصور بن إبراهيم بن المجاهد شيركوه بن القاهر محمد بن المنصور بن شيركوه بن شادي صاحب حمص عن خمس وثلاثين سنة بها وهو آخر من ملك حمص من أولاد شيركوه‏.‏

ومات الأمير حسام الدين لاجين العزيزي الجوكندار بدمشق عن نحو خمسين سنة‏.‏

وتوفي قاضي قضاة دمشق عماد الدين أبو الفضائل عبد الكريم بن جمال الدين أبي القاسم عبد الصمد بن محمد بن الفضل‏.‏

بن الحرستاني الدمشقي الشافعي وهو معزول وبيده خطابة الجامع وتدريس الحديث بالأشرفية عن خمس وخمسين سنة بدمشق‏.‏

وتوفي قاضي القضاة بحلب كمال الدين أبو بكر أحمد بن زين الدين أبي محمد عبد الله بن عبد وتوفي شيخ الشيوخ بحماة شرف الدين أبو محمد عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن الأنصاري عن ست وسبعين سنة في ثامن رمضان ومولده في جمادى الأولى سنة ست وثمانين وخمسمائة‏.‏

وتوفي الرجل الصالح أبو القاسم بن منصور بن يحيي القباري بالإسكندرية عن خمس وسبعين سنة‏.‏

سنة ثالث وستين وستمائة في المحرم توجه الملك الظاهر من قلعة الجبل إلى الصيد فأقام برسيم ثم صار إلى العباسية ورمي البندق وادعي له جماعة منهم الأمير فخر الدين عثمان ابن الملك المغيث صاحب الكرك‏.‏

فورد الخبر بنزول التتر على البيرة فجهز السلطان من فوره الأمير بدر الدين الخازندار على البريد ليخرج أربعة آلاف فارس من بلاد الشام‏.‏

وركب السلطان من موضعه وساق إلى القلعة وكانت الخيول على الربيع فلم يقم بقلعة الجبل بعد عوده من الصيد غير ليلة‏.‏

وعين الأمير عز الدين إيغان المعروف بسم الموت لتقدمة العساكر ومعه من الأمراء فخر الدين الحمصي والأمير بدر الدين بيليك الأيدمري والأمير علاء الدين كشتغاي الشمسي وعدة من الأمراء والحلقة تبلغ أربعة آلاف فارس فخرجوا من القاهرة جرائد في رابع شهر ربيع الأول‏.‏

ثم عين الأمير جمال الدين المحمدي والأمير جمال الدين أيدغدي الحاجي ومعهما أربعة آلاف أخرى فبرزوا ثاني يوم خروج الأمير عز الدين إيغان إلى ظاهر القاهرة وساروا في عاشره‏.‏

وفي يوم السبت رابع ربيع الآخر‏:‏ شرع السلطان في السفر وخرج بنفسه في خامس شهر ربيع الآخر ومعه عساكر كثيرة فوقع فناء في الدواب هلك منها عدد كثير وصارت الأموال مطروحة والسلطان لا يقصر في المسير‏.‏

فلما شكي إليه قلة الظهر قال‏:‏ ما أنا في قيد الجمال أنا في قيد نصرة الإسلام‏.‏

ونزل السلطان غزة في العشرين منه فورد الخبر بأن العدو نصب على البيرة سبعة عشر منجنيقا فكتم ذلك ولم يعلم به سوي الأمير شمس الدين سنقر الرومي والأمير سيف الدين قلاوون فقط‏.‏

وكتب السلطان للأمير إيغان‏:‏ ‏"‏ متى لم تدركوا قلعة البيرة وإلا سقت إليها بنفسي جريدة فساق الأمير إيغان العسكر ورحل السلطان من غزة ونزل قريبا من صيداء فركب للصيد فتقطر عن فرسه وتهشم وجهه فتجلد ورحل وأتاه قسطلان يافا بتقادم‏.‏ونزل السلطان بيبني في سادس عشريه فورد البريد من دمشق وهو في الحمام بالدهليز فلم يمهل وقرئ عليه الكتاب وهو عريان‏:‏ فإذا هو يتضمن بأن بطاقة الملك المنصور صاحب حماة سقطت بأنه وصل إلى البيرة بالعساكر صحبة الأمير عز الدين إيغان وجماعة الأمراء يوم الإثنين وأن التتار عندما شاهدوهم هربوا ورموا مجانيقهم وغرقوا مراكبهم وكان من حين كتابتها بالبيرة إلى حين وصولها يبني أربعة أيام ثم توالت كتب الأمراء بالبشارة فكتب بذلك إلى القاهرة وغيرها‏.‏

واستشهد على البيرة الأمير صارم الدينبكناش الزاهدي وترك موجودا كبيرا وبنتا واحدة فرسم السلطان أن يكون جميع الإرث لها لا يشاركها فيه أحد وكتب السلطان بعمارة ما خرب من البيرة وحمل آلات القتال والأسلحة إليها من مصر والشام وأن يعبأ فيها كل ما يحتاج إليه أهلها في الحصار لمدة عشر سنين‏.‏

وكتب للأمراء ولصاحب حماة بالإقامة على البيرة حتى ينظف الخندق من الحجارة التي ردمها العدو فيه فكانت الأمراء تنقل الحجارة على أكتافها مدة‏.‏

وبعثوا بخبر ذلك إلى السلطان وهو واقف على سور قيسارية ليهدمه بنفسه وفي يده القطاعة وقد تجرحت يده‏.‏

فكتب جوابهم‏:‏ إنا بحمد الله ما تخصصنا عنكم براحة ولا دعة ولا أنتم في ضيق ونحن في سعة‏.‏

ما هنا إلا من هو مباشر الحروب الليل والنهار وناقل الأحجار ومرابط الكفار‏.‏

وقد تساوينا في هذه الأمور وما ثم ما تضيق به الصدور‏.‏وكتب السلطان إلى القاهرة باستدعاء مائتي ألف درهم ومائتي تشريف وإلى دمشق بتجهيز مائة ألف درهم ومائة تشريف وحمل جميع ذلك إلى البيرة‏.‏

وكتب إلى الأمير إيغان بأن يحضر أهل قلعة البيرة ويخلع على سائر من فيها من أمير ومأمور وجندي وعامي وينفق فيهم المال‏.‏

حتى الحراس وأرباب الضوء فاعتمد ذلك كله وكتب إلى الديار المصرية بتبطيل المزر وأن تعفي أثاره وتخرب بيوته وتكسر مواعينه وأن يسقط ارتفاعه من الديوان ومن كان له على هذه الجهة شيء نعوضه من مال الله الحلال فاعتمد ذلك وعوض المقطعون بدل ما كان لهم على جهة المزر‏.‏

ثم ركب السلطان من العوجاء بعد ركوب الأطلاب للتصيد في غابة أرسوف ورسم للأمراء من أراد منهم الصيد فليحضر فإن الغابة كثيرة السباع وساق إلى أرسوف وقيسارية فشاهدهما وعاد إلى الدهليز فوجد أخشاب المنجنيقات قد أحضرت بصحبة زرد خاناه فأمر بنصب عدة مجانيق وعملها‏.‏

وجلس السلطان مع الصناع يستحثهم فعمل في يوم واحد أربع منجنيقات كبار سوي الصغار‏.‏

وكتب إلى القلاع بطلب المجانيق والصناع والحجارين ورسم للعسكر بعمل سلالم‏.‏

ورحل السلطان إلى قريب عيون الأساور من وادي عارة وعرعرة فلما كان بعد عشاء الآخر أمر العسكر كله فلبسوا آلة الحرب وركب آخر الليل وساق إلى قيسارية فوافاها بكرة نهار الخميس تاسع جمادى الأولى على حين غفلة من أهلها وضرب عليها بعساكره‏.‏

وللوقت ألقي الناس أنفسهم في خندقها وأخذوا السكك الحديد التي برسم الخيول مع المقاود والشبح وتعلقوا فيها من كل جانب حتى صعدوا وقد نصبت المجانيق ورمي بها‏.‏

فحرقوا أبواب المدينة واقتحموها ففر أهلها إلى قلعتها وكانت من أحصن القلاع وأحسنها وتعرف بالخضراء وكان قد حمل عليها الفرنج العمد الصوان وأتقنوها بتصليب العمد في بنيانها حتى لا تعمل فيها النقوب ولا تقع إذا علقت فاستمر الزحف والقتال عليها بالمجانيق والدبابات والزحافات ورمي النشاب‏.‏

وخرجت تجريدة من عسكر السلطان إلى بيسان مع الأمير شهاب الدين القيمري فسير جماعة من التركمان والعربان إلى أبواب عكا فاسروا جماعة من الفرنج‏.‏

هذا والقتال ملح على قلعة قيسارية والسلطان مقيم بأعلى كنسية تجاه القلعة ليمنع الفرنج من الصعود إلى علو القلعة وتارة يركب في بعض الدبابات ذوات العجل التي تجري حتى يصل إلى السور ليري النقوب بنفسه‏.‏

وأخذ السلطان في يده يوما من الأيام ترسا وقاتل فلم يرجع إلا وفي ترسه عدة سهام‏.‏

فلما كان في ليلة الخميس النصف من جمادى الأولى‏:‏ سلم الفرنج القلعة‏.‏

بما فيها فتسلق المسلمون من الأسوار وحرقوا الأبواب ودخلوها من أعلاها وأسفلها وأذن بالصبح عليها‏.‏وطلع السلطان ومعه الأمراء إليها وقسم المدينة على الأمراء والمماليك والحلقة وشرع في الهدم ونزل وأخذ بيده قطاعة وهدم بنفسه‏.‏

فلما قارب الفراغ من هدم قيسارية بعث السلطان الأمير سنقر الرومي والأمير سيف الدين المستعرب في جماعة فهدموا قلعة كانت للفرنج عند الملوحة قريب دمشق وكانت عاتية حتى دكوها دكا‏.‏

وفي سادس عشريه‏:‏ سار السلطان جربذة إلى عثليث وسير الأمير سنقرا السلاح دار والأمير عز الدين الحموي والأمير سنقرا الألفي إلى حيفا‏.‏

فوصلوا إليها ففر الفرنج إلى المراكب وتركوا قلعتها فدخلها الأمراء بعد ما قتلوا عدة من الفرنج وبعد ما أسروا كثيرا وخربوا المدينة والقلعة وأحرقوا أبوابها في يوم واحد وعادوا بالأسري والرءوس والغنائم سالمين‏.‏

ووصل السلطان إلى عثليث فأمر بتشعيثها وقطع أشجارها فقطعت كلها وخربت أبنيتها في يوم واحد‏.‏

وعاد إلى الدهليز بقيسارية وكمل هدمها حتى لم يدع لها أثرا وقدمت منجنيقات من الصبيبة وزرد خاناه من دمشق وورد عدة من الفرنج للخدمة فأكرمهم السلطان وأقطعهم الإقطاعات‏.‏

وفي تاسع عشريه‏:‏ رحل السلطان من قيسارية وسار من غير أن يعرف أحد قصده فنزل على أرسوف مستهل جمادى الآخرة ونقل إليها من الأحطاب ما صارت حول المدينة كالجبال الشاهقة وعمل منها ستائر وحفر سربين من خندق المدينة إلى خندق القلعة وسقفه بالأخشاب‏.‏

وسلم أحدهما للأمير سنقر الرومي والأمير بدر الدين بيسري والأمير بدر الدين الخازندار والأمير شمس الدين الذكر الكركي وجماعة غيرهم‏.‏

وسلم الآخر للأمير سيف الدين قلاوون والأمير علم الدين الحلبي الكبير والأمير سيف الدين كرمون وجماعة غيرهم‏.‏

وعمل السلطان طريقا من الخندقين إلى القلعة وردمت الأحطاب في الخندق فتحيل الفرنج وأحرقوها كلها‏.‏

فأمر السلطان بالحفر من باب السربين إلى البحر وعمل سروبا تحت الأرض يكون حائط خندق العدو ساترا لها وعمل في الحائط أبوابا يرمي التراب منها وينزل في السروب حتى تساوي أرضها أرض الخندق‏.‏

وأحضر المهندسين حتى تقرر ذلك وولي أمره للأمير عز الدين أيبك الفخري‏.‏

فاستمر العمل والسلطان بنفسه ملازم العمل بيده في الحفر وفي جر المنجنيقات ورمي التراب ونقل الأحجار أسوة لغيره من الناس‏.‏

وكان يمشي‏.‏

بمفرده وفي يده ترس تارة في السرب وتارة في الأبواب التي تفتح وتارة على حافة البحر يرامي مراكب الفرنج‏.‏

وكان يجر في المجانيق ويطلع فوق الستائر يرمي من فوقها ورمي في يوم واحد ثلاثمائة سهم بيده‏.‏

وحضر في يوم إلى السرب وقد في رأسه خلف طاقة يرمي منها فخرج الفرنج بالرماح وفيها خطاطيف ليجبذوه فقام وقاتلهم يدا بيد وكان معه الأمير سنقر الرومي والأمير بيسري والأمير بدر الدين الخازندار فكان سنقر يناوله الحجارة حتى قتل فارسين من الفرنج ورجعوا على أسوأ حال‏.‏

وكان يطوف بين العساكر في الحصار بمفرده ولا يجسر أحد ينظر إليه ولا يشر إليه بإصبعه‏.‏

وحضر في هذه الغزاة جمع كبير من العباد والزهاد والفقهاء وأصناف الناس و لم يعهد فيها حمر ولا شيء من الفواحش‏.‏

بل كانت النساء الصالحات يسقين الماء في وسط القتال ويعملن في جر المجانيق‏.‏

وأطلق السلطان الرواتب من الأغنام وغيرها لجماعة من الصلحاء وأعطي الشيخ على البكا جملة مال‏.‏

ولا سمع عن أحد من خواص السلطان إنه اشتغل عن الجهاد في نوبته بشغل ولا سير أمير غلمانه في نوبته واستراح‏.‏

بل كان الناس فيها سواء في العمل حتى أثرت المجانيق في هدم الأسوار وفرغ من عمل الأسربة التي بجانبي الخندق وفتحت فيها أبواب متسعة‏.‏

فلما تهيأ ذلك وقع الزحف على أرسوف في يوم الخميس ثامن رجب ففتحها الله في ذلك اليوم عندما وقعت الباشورة‏.‏

فلم يشعر الفرنج إلا بالمسلمين قد تسلقوا وطلعوا القلعة ورفعت الأعلام الإسلامية على الباشورة وحفت بها المقاتلة وطرحت النيران في أبوابها‏.‏

هذا والفرنج تقاتل فدفع السلطان سنجقه للأمير سنقر الرومي وأمره أن يؤمن الفرنج من القتل فلما رآه الفرنج تركوا القتال‏.‏

وسلم السنجق للأمير علم الدين سنجر المسروري المعروف بالخياط الحاجب ودليت له الحبال من القلعة فربطها في وسطه والسنجق معه ورفع إليها فدخلها وأخذ جميع سيوف الفرنج وربطهم بالحبال وساقهم إلى السلطان والأمراء صفوف وهم ألوف‏.‏

وأباح السلطان القلعة للناس وكان بها من الغلال والذخائر والمال شيء كثير وكان فيها جملة من الخيول والبغال لم يتعرض السلطان لشيء منه إلا ما اشتراه ممن أخذه بالمال ووجد فيها عدة من أسري المسلمين في القيود فأطلقوا وقيد الفرنج بقيودهم وعين السلطان جماعة مع الأسري من الفرنج ليسيروا بهم وقسم أبراج أرسوف على الأمراء وأمر أن يكون أسري الفرنج يتولون هدم السور فهدمت بأيديهم‏.‏

وأمر السلطان بكشف بلاد قيسارية وعمل متحصلها فعملت بذلك أوراق وطلب قاضي دمشق وعدوله ووكيل بيت المال وتقدم بأن يملك الأمراء المجاهدون من البلاد التي فتحها الله عليه ما يأتي ذكره‏.‏

وكتبت تواقيع كل منهم من غير أن يطلعوا على ذلك فلما فرغت التواقيع فرقت على أربابها وكتب بذلك مكتوب جامع بالتمليك ونسخته‏:‏ أما بعد حمد الله على نصرته المتناسقة العقود وتمكينه الذي رفلت به الملة الإسلامية في أصفى البرود وفتحه الذي إذا شاهدت العيون مواقع نفعه وعظيم وقعه علمت لأمر ما يسود من يسود والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي جاهد الكفار بالسيف البتار وأعلمهم لمن عقبي الدار وعلى آله وصحبه صلاة تتواصل بالعشي والإبكار فإن خير النعمة وردت بعد اليأس وأقبلت على فترة من تخاذل الملوك وتهاون الناس فأكرم بها نعمة وصلت للأمة المحمدية أسبابا وفتحت للفتوحات الإسلامية أبوابا وهزمت من التتار والفرنج العدوين ورابطت من الملح الأجاج والعذب الفرات بالبرين والبحرين وجعلت عساكر الإسلام تذل الفرنج بغزوهم في عقر الدار وتجوس من حصونهم المانعة خلال الديار والأمصار وتقود من فضل عن شبع السيف الساغب إلى حلقات الإسار ففرقة منها تقتلع للفرنج قلاعا وتهدم حصونا وفرقة تبقي ما هدم للتتار بالمشرق وتعليه تحصينا وفرقة تتسلم بالحجاز قلاعا شاهقة وتقسم هضابا سامقة‏.‏

فهي بحمد الله البانية الهادمة والقاسمة الراحمة‏.‏

كل ذلك بمن أقامه الله وجرد سيفا ففري وحملت رباح النصرة ركابه تسخيرا فسار إلى مواطن الظفر وسري وكونته السعادة ملكا إذا رأته في دستها قالت تعظيما له ما هذا بشرا‏.‏

وهو السلطان الملك الظاهر ركن الدنيا والدين أبو الفتح بيبرس جعل الله سيوفه مفاتح البلاد وأعلامه أعلاما من الأسنة على رأسها نار بهداية العباد فإنه أخذ البلاد ومعطيها وواهبها بما فيها‏.‏

وإذا عامله الله بلطفه شكر وإذا قدر عفي وأصلح فوافقه القدر وإذا أهدت إليه النصرة فتوحات قسمها في حاضريها لديه متكرما وقال لمن حضر وإذا خوله الله تخويلا وفتح على يديه قلاعا جعل الهدم للأسوار والدماء للبتار والرقاب للإسار والبلاد المزروعة للأولياء والأنصار‏.‏

ولم يجعل لنفسه إلا ما تسطره لملائكة في الصحائف لصفاحه من الأجور وما تطوي عليه طربات السير التي غدت بما فتحه الله من الثغور باسمه باسمة الثغور‏.‏

فتي جعل البلاد من العطا فأعطي المدن واحتقر الضياعا سمعنا بالكرام وقد أرانا عيانا ضعف ما فعلوا سماعا إذا فعل الكرام على قياس جميلا كان ما فعل ابتداعا ولما كان بهذه المثابة وقد فتح الفتوحات التي أجزل الله بها أجره وضاعف ثوابه وله أولياء النجوم ضياء وكالأقدار مضاء وكالعقود تناسقا وكالوبل تلاحقا إلى الطاعة وتسابقا رأي ألا ينفرد عنهم بنعمة ولا يتخصص ولا يستأثر‏.‏

بمنحة غدت بسيوفهم تستنقذ وبعزائمهم تستخلص وأن يؤثرهم على نفسه ويقسم عليهم الأشعة من أنوار شمسه ويبقي للولد منهم وولد الولد ما يدوم إلى آخر الدهر ويبقي على الأبد ويعيش الأبناء في نعمته كما عاش الآباء وخير الإحسان ما شمل وأحسنه ما خلد‏.‏

فخرج العالي لا زال يشمل الأعقاب والذراري وينير إنارة الأنجم الدراري أن يملك أمراؤه وخواصه الذين يذكرون وفي هذا المكتوب يسطرون ما يعين من البلاد والضياع على ما يشرح ويبين من الأوضاع وهو الأتابك فارس الدين أقطاي الصالحي عتيل بكمالها الأمير جمال الدين إيدغدي العزيزي النصف من زيتا الأمير بدر الدين بيسري الشمسي الصالحي نصف طور كرم الأمير بدر الدين بيليك الخازندار نصف طوركرم الأمير شمس الدين الذكر الكركي ربع زيتا الأمير سيف الدين قلج البغدادي ربع زيتا الأمير ركن الدين بيبرس خاص ترك الكبير الصالحي أفراسين بكمالها الأمير علاء الدين أيدكين البندقدار الصالحي باقة الشرقية بكمالها الأمير عز الدين أيدمر الحلبي الصالحي نصف قلنسوة الأمير شمس الدين سنقر الرومي نصف قلنسوة الأمير سيف الدين قلاوون الألفي الصالحي نصف طيبة الاسم الأمير عز الدين إيغان سم الموت نصف طيبة الاسم الأمير جمال الدين أقوش النجيبي نائب سلطة الشام أم الفحم بكمالها من قيسارية الأمير علم الدين سنجر الحلبي الصالحي بتان بكمالها الأمير جمال الدين أقوش المحمدي نصف بورين الأمير فخر الدين ألطنبا الحمصي نصف بورين الأمير جمال الدين أيدغدي الحاجبي الناصري نصف بيزين الأمير بدر الدين بيليك الأيدمري الصالحي نصف بيزين الأمير فخر الدين عثمان ابن الملك المغيث ثلث حلبة الأمير شمس الدين سلار البغدادي ثلث حلبة الأمير صارم الدين صراغان ثلث حلبة الأمير ناصر الدين القيمري نصف البرج الأحمر الأمير سيف الدين بلبان الزيني الصالحي نصف البرج الأحمر الأمير سيف الدين إبتامش السعدي نصف يما الأمير شمس الدين آقسنقر السلاح دار نصف يما الملك المجاهد سيف الدين إسحاق صاحب الجزيرة نصف دنابة الملك المظفر صاحب سنجار نصف دنابة الأمير بدر الدين محمد بن ولد الأمير حسام الدين بركة خان دير القصون بكمالها الأمير عز الدين أيبك الأفرم أمير جاندار نصف الشويكة الأمير سيف الدين كرمون أغا التتري نصف الشويكة الأمير بدر الدين الوزيري نصف طبرس الأمير ركن الدين منكورس الديداري نصف طبرس الأمير سيف الدين قشتمر العجمي علار بكمالها الأمير علاء الدين أخو الدويدار نصف عرعرا الأمير سيف الدين قفجق البغدادي نصف عرعرا الأمير سيف الدين دكجل البغدادي نصف فرعون الأمير علم الدين سنجر الأزكشي نصف فرعون الأمير علم الدين طرطج الأسدي أقتابة بكمالها الأمير حسام الدين إيمتش بن أطلس خان سيدا بكمالها الأمير علاء الدين كندغدي الظاهري أمير مجلس الصفرا بكمالها الأمير عز الدين أيبك الحموي الظاهري نصف أرقاح الأمير شمس الدين سنقر الألفي نصف أرقاح الأمير علم الدين طيبرس الظاهري نصف باقة الغربية الأمير علاء الدين التنكري نصف باقة الغربية الأمير عز الدين الأتابك الفخري القصير بكمالها الأمير علم الدين سنجر الصيرفي الظاهري أخصاص بكمالها الأمير ركن الدين بيبرس المغربي نصف قفين الأمير شجاع الدين طغربل الشبلي أمير مهمندار نصف كفر راعي الأمير علاء الدين كندغدي الحبيشي مقدم الأمراء البحرية نصف كفر راعي الأمير شرف الدين بن أبي القاسم نصف كسفا الأمير بهاء الدين يعقوب الشهرزوري نصف كسفا الأمير جمال الدين موسى بن يغمور أستادار العالية نصف برنيكية الأمير علم الدين سنجر الحلي الغزاوي نصف برنيكية الأمير علم الدين سنجر نائب أمير جاندار نصف حانوتا من أرسوف الأمير سيف الدين بيدغان الركني فرديسيا بكمالها من قيسارية الأمير عز الدين أيدمر الظاهري نائب الكرك ثلث حبلة من أرسوف الأمير جمال الدين أقوش السلاح دار الرومي ثلث حبلة الأمير شمس الدين سنقر جاه الظاهري ثلث حبلة الأمير بدر الدين بكتاش الفخري أمير سلاح ثلث جلجولية الأمير علاء الدين كشتغدي الشمسي ثلث جلجولية الأمير بدر الدين بكتوت بجكا الرومي ثلث جلجولية‏.‏

وكتب من كتاب التمليك الشرعي الجامع نسخ وفرقت على كل أمير نسخة وخلع على قاضي دمشق وعاد إلى بلده‏.‏

ونقلت المنجنيقات إلى القلاع وهي الكرك وعجلون ونحوهما‏.‏

ورحل السلطان من أرسوف بعد استكمال هدمهما في يوم الثلاثاء ثالث عشري شهر رجب إلى غزة وسار منها إلى مصر فخرج الملك السعيد والأتابك عز الدين الحلي نائب السلطة إلى لقائه ببركة الحجاج فلقوه هناك‏.‏

ودخل السلطان من القاهرة في يوم الخميس حادي عشر شعبان والأسري بين يديه حتى خرج من باب زويلة وصمد إلى قلعة الجبل فاستراح‏.‏

وعرض ما حصله الأمير عز الدين الحلي والصاحب بهاء الدين بن حنا من الخزائن ولم يترك أحدا من أمير ولا وزير ولا مقدم ولا مفردي ولا أحدا من خواصه ولا بزداريته وبردداريته وسائر حواشيه حتى عم الجميع بالخلع وأحسن إلى رسل الملك بركة وكتب إلى اليمن وإلى الأنبرور بالبشارة وأخرج جملة من الدراهم والغلة الكساوي تصدق بها على الفقراء‏.‏

وكان قد كثر الحريق بالقاهرة ومصر في مدة سفر السلطان وأشيع أن ذلك من النصاري‏.‏

ونزل بالناس من الحريق في كل مكان شدة عظيمة ووجد في بعض المواضع التي احترقت نفط وكبريت‏.‏

فأمر السلطان بجمع النصارى وإليهود وأنكر عليهم هذه الأمور التي تفسخ عهدهم وأمر بإحراقهم‏.‏

فجمع منهم عالم عظيم في القلعة وأحضرت الأحطاب والحلفاء وأمر بإلقائهم في النار فلاذوا بعفوه وسألوا المن عليهم‏.‏

وتقدم الأمير فارس الدين أقطاي أتابك العساكر فشفع فيهم على أن يلتزموا بالأموال التي احترقت وأن يحملوا إلى بيت المال خمسين ألف دينار‏.‏

فأفرج عنهم السلطان وتولي البطرك توزيع المال والتزموا ألا يعودوا إلى شيء من المنكرات ولا يخرجوا عما هو مرتب على أهل الذمة وأطلقوا‏.‏

وكان الأمير زامل بن على لا تزال الفتنة بينه وبين الأمير عيسي بن مهنا بن مانع بن حديثة بن غضبة بن فضل بن ربيعة‏.‏

فلما طلعت العساكر إلى الشام مع الأمير طيبرس قبضوا على زامل بالبلاد الحلبية وحمل إلى قلعة عجلون‏.‏

ثم نقل إلى القاهرة واعتقل ثم أفرج عنه وصار يلعب مع السلطان في الميدان وحضر الأمير شرف الدين عيسي ابن مهنا وأحمد بن حجي والأمير هارون وأصلح السلطان بينهم وبين زامل ورد على زامل إقطاعه وإمرته وأذن لهم في السفر‏.‏

فساروا حتى دخلوا إلى الرمل فساق زامل وهجم على بيوت عيسي وأفسد وقبض على قصاد السلطان المتوجهين إلى شيراز وأخذ منهم الكتب وسار بها إلى هولاكو وأطمعه في البلاد فأعطاه هولاكو إقطاعا بالعراق‏.‏

وسافر زامل إلى الحجاز فنهب وقتل وعاد إلى الشام وكان السلطان قد أعطي إقطاعه لأخيه أبي بكر فضاقت عليه الأرض وكتب يطلب من السلطان العفو فقرر السلطان معه الحضور إلى مدة عينها له وإنه متى تأخر عنها فلا عهد له ولا أيمان فلما تأخر عن المدة المعينة وحضر بعدها قبض عليه واعتقل بقلعة الجبل‏.‏